التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               لا عجلة في التعذيب               التقوى والنظر لغد               الإمام علي أعلم الأمّة               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
163470
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات قرآنية
 
 
تسخير الكون
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2019/03/31 - [المشاهدات : 949]
 

 تسخير الكون (*)

{ألم تروا أنّ الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير} (1).

اختلف المفسرون في أنّ الخطاب في هذه الآية الكريمة {ألم تروا} أهو موجّه لخصوص المشركين، وقد تقدم خطابهم قبل مجموعة الآيات التي تعلقت بلقمان ووصاياه وسبقت هذه الآية مباشرة، أم هو خطاب عام خوطب به جميع الناس؟

رجّح هذا الرأي الأخير جمع من المفسرين اعتمادًا على قرائن عدة، منها: كون خطاب المشركين قد تمّ، بحسب الظاهر، قبل الشروع في آيات لقمان ووصاياه، ولا دليل على أنّ هذا الخطاب هنا مرتبط بذاك، ومنها آخر هذه الآية، فالحديث فيه عن "الناس" بنحو مطلق، وكذلك شأن الآيات التالية لهذه الآية، ثم هناك الروايات الشريفة المفسرة، وستأتي الإشارة إلى بعضها (2).

وكيفما كان، فالآية الشريفة تريد لفت اهتمام المخاطبين إلى هذا الكون العظيم بما فيه من موجودات ومخلوقات باهرة للعقول، أقربها إلى أذهانهم هذه الأرض وما عليها والسماوات وما فيها، فكلها قد سخرها الله سبحانه لهم. و"التسخير" هو بمعنى إجبار المسخّر (بفتح الخاء) ليفعل ما يريده المسخّر (بكسر الخاء) منه، "كتسخير الكاتب القلم للكتابة، وكما يسخّر المولى عبده والمخدوم خادمه في أن يفعل باختياره وإرادته ما يختاره ويريده المولى والمخدوم. والأسباب الكونية، كائنةً ما كانت، تفعل بسببيتها الخاصة ما يريده الله من نظام يدبر به العالم الإنساني" (3).

وبعد هذا، تنتقل الآية إلى الحديث عن النعم الإلهية على الناس: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}، و"الإسباغ" في اللغة هو من الإتمام والتوسعة، يقال: "أسبغ الله عليه النعمة: أكملها وأتمها ووسّعها، وإنهم لفي سَبْغة من العيش أي سعة" (4).

وقد رويت في تفسير الآية روايات تسعى، بحسب ظاهرها، إلى حصر النعم الظاهرة والباطنة في أنواع معينة منها، فمن هذه الروايات:

·       الرسول الأكرم محمد (ص): "يا بن عباس، أما ما ظهر فالإسلام وما سوّى الله من خلقك وما أفاض عليك من الرزق، وأما ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به" (5).

·       علي بن أبي طالب (ع): "أما الظاهرة فالإسلام وما أفضل عليكم في الرزق، وأما الباطنة فما ستر عليك من مساوئ عملك" (6).

·       الباقر (ع): "أما النعمة الظاهرة فالنبي (ص) وما جاء به من معرفة الله عز وجل وتوحيده، وأما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا"(7).

·       الكاظم (ع): "النعمة الظاهرة: الإمام الظاهر، والباطنة: الإمام الغائب" (8).

وتبعًا لهذه الروايات وأمثالها، اتجه بعض المفسرين أيضًا إلى تقييد النعم الظاهرة والباطنة بنعم معينة دون سواها، لكن دلالة الآية واسعة رحبة، ولا مقتضي لتقييدها بالروايات الواردة؛ لأنها في الحقيقة تريد بيان بعض المصاديق البارزة التي تنطبق عليها الآية، وليست بصدد الحصر والتقييد، فهي – بتعبير صاحب الميزان – "من الجري، والآية أعم مدلولًا" (9).

وعلى هذا، فالنعم الظاهرة هي "مثل: السلامة، والرزق، والجمال، وغيرها. والنعم الباطنة هي مثل: الإيمان، والمعرفة، والاطمئنان، وحسن الخلق، والمدد الغيبي، والعلم، والفطرة، والولاية، وغيرها" (10).

ثم تتعرض الآية لصنف من الناس يعجبه أن {يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير}، إنه لا يبتغي الوصول إلى الحق لأجل أن يهتدي، بل غاية وُكْده أن "يجادل"، والمجادلة هي المناقشة التي تكون بقصد المغالبة وإبراز التفوق، وليس لأجل التوصل إلى الصواب والرشاد.

وإذا كان المفسرون يتفقون، أو يكادون، على أنّ المراد من "علم" هو العلم الحاصل بالبراهين العقلية، وأنّ المراد من "كتاب منير" هو الكتب الإلهية السماوية، فإنهم، بعد هذا، يختلفون في المراد من "هدى"، فقيل:

أ‌-        هو الفيض الإلهي بواسطة الوحي والإلهام (11).

ب‌-   المراد الهداة من المعلمين والقادة الربانيين والسماويين والعلماء (12).

ج - المقصود هنا: الفطرة التي فطر الله الناس عليها (13).

وقيل غير ذلك أيضًا، واللفظ في الآية مطلق، لا يأبى الانطباق على كل سبب للهداية من غير العقل والكتب السماوية التي ذكرت مستقلةً.

إنّ في الآية الشريفة مسارات للفائدة يجمل بنا التوقف عندها:

المسار الأول:

تسخير الكون، بكل ما فيه من مخلوقات، شاهد جليّ على مدى الكرامة العظيمة التي منحها الله – جلت قدرته – هذا المخلوقَ الذي يسمى الإنسان، فكل ما في الكون مسخّر لأجله ومخلوق لخدمته، فلا أكرم منه على الله تعالى. وقد روي عن رسول الله محمد (ص) أنه قال: "ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم. قيل: يا رسول الله، ولا الملائكة؟ قال: الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر" (14).

المسار الثاني:

إنما سخّر الله تعالى الكون لهذا الإنسان لأجل إعانته على تحمل أعباء مسؤوليته الكبيرة التي أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها وتحمّلها الإنسان، فهذه المسؤولية العظيمة سيحتاج الإنسان في القيام بها إلى أن تُهيّأ له الأسباب والوسائل الكونية، ومن هنا جاءت فلسفة التسخير. فالتسخير، إذن، تذكير للإنسان بضرورة تحمّله لهذه المسؤولية وأدائه لها على النحو الأتم، وإذا أراد الإنسان ذلك فعلًا فإنّ الله – جلّ وعلا – سيعينه ويرشده، فعن الإمام علي (ع) أنه قال: "من اهتدى بهدى الله أرشده" (15).

ومن الخطأ الكبير، بل من الأدلة على ضعف العقل، أن يغترّ هذا الإنسان بقدرته على إخضاع الطبيعة والتحكم في الموجودات الأخرى فيتكبر ويتغطرس، ويسعى إلى الاستفادة من قدرته هذه في سبيل ظلم الآخرين والتعدي عليهم، مثلما يفعل كثيرون في هذا العالم.

المسار الثالث:

حديث الآية الشريفة عن النعم الإلهية يستوقفنا عند جانبين:

الجانب الأول: هو الأوصاف التي تتصف بها هذه النعم، فهي نعم كثيرة{أسبغ}، وهي متنوعة {ظاهرة وباطنة}، وهي أيضًا متاحة تحت القدرة البشرية وبوسع الإنسان أن يستفيد منها {عليكم}.

هذه الصفات يجدر بكل إنسان أن يتأملها جيدًا ويتفكر فيها؛ ليعرف أنّ النعم الإلهية المغدقة عليه ليلَ نهارَ ليست نوعًا واحدًا ولا بضعة أنواع. إنها كثيرة جدًا ومتنوعة جدًا وفي متناول المرء. وسادرٌ في الغيّ ذلك الإنسان الذي تتلخص النعم في وعيه ووجدانه في النعم المادية الدنيوية المتمثلة في المال والأولاد والمأكل والمشرب وما أشبه هذه الأمور، وقد روي عن رسول الله (ص) قوله: "من لم يعلم فضل الله عز وجل عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قصر علمه ودنا عذابه" (16).

والجانب الآخر: هو ارتباط هذه النعم الإلهية كلها بالمنعم (جلّ وعزّ)، فهي جميعًا تذكّر بالمنعم؛ لذا ذكرت الآية ضميره الراجع إليه صراحةً {نعمه}.

نعم، النعم كلها نعمه هو، وعلى الإنسان أن يتذكر هذا دائمًا. وتذكر المنعم يدعو إلى شكره، ولا يمكن أن يكون الشكر حقيقيًا وعلى الوجه المطلوب إلا إذا استعملت النعم في طاعته وفي الوجوه المرضية عنده. ومن هنا تكون النعم، في واقع الأمر، داعية إلى الاهتداء والابتعاد عن كل ما يقود إلى الضلال والعذاب. فعن الإمام علي (ع) أنه قال: "لو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق" (17).

المسار الأخير:

ينهى الإسلام في كثير من نصوصه عن المناقشات التي لا تستهدف الوصول إلى الحق ولا تتغياه، بل تستهدف المغالبة فقط والرغبة في إبراز الذات وإثبات امتلاك العلم والثقافة، ولربما تقود مثل هذه الأهداف بعض الناس إلى مناقضة البدهيات والحقائق اللائحة لكل ذي عينين وقلب سليم، فيسيرون في طريق الجدل الذي لا يمتلكون فيه أية حجة أو دليل، ولربما ينتهي بهم سيرهم الأعمى هذا إلى فساد إيمانهم ووقوعهم في هوّة الشكوك والأوهام المفسدة للدين، والأدهى أنهم قد يصيرون سببًا في وقوع غيرهم في مثل هذه الهوّة. مثل هذا المصير الدامس هو الذي حذّر منه الإمام علي (ع) حين قال: "إياكم والجدال، فإنه يورث الشك" (18)، وقال: "الجدال في الدين يفسد اليقين" (19).

وإذا كانت الآية ترتبط تاريخيًا بقصة شخص معين كان يلجأ إلى الجدال الأعمى المبعد عن الحق، كما في رواية الإمام الباقر (ع): "فهو النضر بن الحارث، قال له رسول الله (ص): اتّبع ما أنزل إليك من ربك، قال: بل أتّبع ما وجدت عليه آبائي" (20)، فإنّ مفادها مطلق، حريّ بأن يجعل كل ذي لبّ حذرًا من التردي إلى مثل هذه الحالة المتردية.

__________________________________________

(*) المصدر كتاب "الإنسان والحياة.. نظرات قرآنية" للشيخ الدكتور إحسان بن صادق اللواتي.

(1) سورة لقمان، الآية 20.

(2) ذهب بعض المفسرين إلى كون هذه الآية مرتبطة بالآيات المتقدمة على مواعظ لقمان، فكان الخطاب فيها، في أنظارهم، مختصًا بالمشركين، ومنهم الفخر الرازي في التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)،، والآلوسي في روح المعاني، والطباطبائي في الميزان. وذهب آخرون إلى كون الخطاب عامًا للجميع، ومنهم ناصرالشيرازي في الأمثل.

(3) الميزان 16: 229.

(4) سان العرب، مادة "سبغ".

(5) مجمع البيان، الطبرسي، في ذيل الآية محل البحث.

(6) البرهان، البحراني 6: 185.

(7) نفسه 6: 184.

(8) نفسه.

(9) الميزان 16: 239.

(10) تفسير نور (باللغة الفارسية)، محسن قراءتي 9: 271.

(11) الميزان 16: 229.

(12) الأمثل 13: 41.

(13) تفسير نور 9: 271.

(14) ميزان الحكمة 1: 360.

(15) نفسه 10: 328.

(16) البرهان في تفسير القرآن 6: 187.

(17) ميزان الحكمة 3: 107.

(18) ميزان الحكمة 2: 21.

(19) نفسه.

(20) البرهان 6: 187 ، ونور الثقلين 5: 434 

 

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.