التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               لا عجلة في التعذيب               التقوى والنظر لغد               الإمام علي أعلم الأمّة               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
163486
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات قرآنية
 
 
الفرح
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2019/07/15 - [المشاهدات : 1096]
 

 الفرح (*)

{قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون} (1).

 تتناول الآية الكريمة موضوعًا أثير حوله الكثير من اللغط فيما يتعلق بموقف الإسلام منه، وتعرضت نظرة الإسلام للّشخصية الإنسانية السوية بسببه إلى التهجم، ألا وهو موضوع الفرح. فهل الفرح حالة مرغوب فيها إسلاميًا؟ وإن كانت كذلك فمتى تكون مطلوبة؟ وهل ثمة ضوابط يقرّها الإسلام في هذا الصدد؟ أسئلة نود هنا التعرض لها من خلال عطاءات الآية الشريفة.

من الملاحظ، في البدء، أنّ الآية كرّرت إدخال الباء على كل من "فضل الله" و"رحمته"، وهذا يفيد كونهما شيئين مختلفين، لكنهما بعدئذ جُمعا باسم إشارة دال على المفرد "ذلك"، فكيف السبيل إلى التوفيق بين هذا وذاك؟

ذهب بعض المفسرين (2) إلى أنّ استعمال اسم الإشارة الموضوع للمفرد إنما هو للدلالة على ضرورة اجتماع الفضل والرحمة معًا، فعند هذا الاجتماع فقط تكون الفرحة التي تتحدث عنها الآية، وليس كافيًا أن يتحقق أي منهما منفردًا عن الآخر.

لكن يمكن أيضًا أن يقال إنّ الإفراد في اسم الإشارة هو للدلالة على "ما ذُكر"، أي بذلك الذي قد ذُكر فليفرحوا. ومن المعلوم أنّ الذي ذُكر هو كلام واحد وإن اشتمل على شيئين (الفضل والرحمة). وبناءً على هذا، ليس مطلوبًا بالضرورة أن يجتمع الشيئان معًا، فالفرحة سائغة ومطلوبة سواء أتحققا معًا أم تحقق أحدهما دون الآخر، فهذا خير من المال الذي يجمعونه، وليس المال إلا فتنة قد توقعهم في المصائب.

والملاحظ أيضًا أنّ الآية الشريفة قد استعملت أسلوب القصر من طريق لجوئها إلى تقديم ما حقه التأخير، فقدّمت الجار والمجرور (فبذلك) على متعلّقه الفعل (فليفرحوا)، فلم تقل: فليفرحوا بذلك، بل قالت: {فبذلك فليفرحوا}. الفرح، إذن، مقصور على فضل الله ورحمته، ولا يتجاوزهما إلى غيرهما، وهذا يدلّ صراحةً على مدى أهميتهما في المقام. فما المراد منهما؟

ذكر المفسرون هنا مجموعة من الآراء، لعلّ أهمها ما يأتي:

1-ما اختاره العلامة الطباطبائي من أنّ الآية مرتبطة مباشرةً بالآية التي سبقتها، وهي قوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}(3)، وهذه تتحدث عن القرآن الكريم، فصفاته الأولى (موعظة وشفاء وهدى) هي المقصودة بـ "فضل الله"، والرحمة في هذه الآية هي الرحمة في تلك، وهي السعادة في الدنيا والآخرة" (4).

2-"فضل الله" هو عبارة عن النعم الإلهية التي يمنحها (سبحانه) عامةَ الناس، من حياة وصحة ومال وأولاد إلخ، و"رحمته" تتمثل في خصوص ما يفيضه على المؤمنين به من سعادة دينية.

3-"فضل الله" إشارة إلى النعم الظاهرية المادية، و"رحمته" إشارة إلى النعم الباطنية المعنوية.

4-"فضل الله" هو بدء النعمة، في حين أنّ "رحمته" دلالة على دوامها وبقائها. ومن هنا فسّر العلماء ما ورد في حديث الإمام الباقر (ع) الذي قال فيه: "فضل الله رسوله، ورحمته علي بن أبي طالب" (5)، فسّروه على أنّ "النبي (ص) كان بداية الإسلام، والإمام علي (ع) سبب بقائه" (6).

5-"فضل الله" هو الإسلام، و"رحمته" ما وُعد عليه (7) .

ونستفيد، بعد هذا، من الآية الشريفة:

الفائدة الأولى:

الفرح ليس شيئًا محرمًا على الشخصية المسلمة الملتزمة، فهو مشروع دينيًا، بل هو مطلوب؛ فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: "الهوا والعبوا، فإني أكره أن يُرى في دينكم غلظة" (8).

من الفرية على الدين الإسلامي، إذن، أن يصوّر على أنه لا يعترف بالفرح، ويدعو أتباعه دومًا إلى الحزن والأسى والوجوم، حتى لقد صار الوجه المتجهم والجبين المقطب والملامح العابسة دلالات على الالتزام والتديّن! وصار الفرح والمرح والحبور علامات دالة على الاستهتار بالدين والتهاون بشأنه!

ولعلّ لبعض المتدينين أثرًا في إيجاد مثل هذا الانطباع الخاطئ عن الدين، نتيجة ما يتسمون به من عبوس شبه دائم وإصرار على تغييب السرور ووأد الابتسامة! فيعطون بذلك للناس من حولهم تصورًا مغلوطًا عن الدين، وهذا هو بالتحديد ما حذّر منه رسول الله (ص) في حديثه السابق، حين ربط السلوك الخاطئ عند بعض المسلمين بالانطباع الذي يخلقونه عن الإسلام نفسه.

أما ما ورد في القرآن الكريم حكاية عن قوم قارون: {إنّ الله لا يحب الفرحين} (9)، فهو ليس متنافيًا مع ما تقدم؛ ذلك أنّ الفرح المذكور ههنا لا يراد به الفرح العادي البريء، وإنما المراد منه، كما ذكر المفسرون، البطر أو التكبر، وهو الذي أخرج قارونَ عن طوره وجعله ينحرف عن جادة الحق.

وكذلك، فكل ما ورد في النصوص الشرعية من نهي عن الفرح وتحذير منه ليس ناظرًا إلى الفرح بمعناه المطلق ومفهومه الواسع، بل هو ناظر إلى نوع غير محبب منه، كأن يكون فرحًا بالباطل والمعصية، بأن يرتكب المرء الذنب ويسير في طريق الباطل ثم يفرح بفعله هذا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق} (10)، وكأن يكون فرحًا يذهب بوقار الشخصية المؤمنة ويسقط من هيبتها ومنزلتها في النفوس، وهو الفرح الذي يتجلى في القهقهة، وقد ورد أنّ كفارته أن يقول المرء بعده: "اللهم لا تمقتني"، وهذه من الكفارات المستحبة (لا الواجبة) كما يقول الفقهاء.

الفائدة الثانية:

الفرح الذي ينبغي وجوده عند الشخصية المؤمنة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنعم الأخروية والمعنوية. تقدمت الإشارة إلى دلالة أسلوب القصر المستعمل في الآية، ولاحظنا في التفسيرات التي ذكرها المفسرون لـ "فضل الله ورحمته" أنها إما منحصرة في النعم المرتبطة بالآخرة والدين والسعادة المتعلقة بهما، وإما شاملة لها ولغيرها من النعم المادية الدنيوية. وفي كل حال، فالنتيجة هي ضرورة دخول النعم الأخروية والدينية والمعنوية في دائرة فرح الشخصية المؤمنة. ولا يكون مقبولًا من المؤمن، بناءً على ما تقدم، أن يكون فرحه منحصرًا في دائرة طيبات هذه الدنيا المادية وحدها، فإن نال منها مراده

كان من أشد الناس فرحًا، وإن وجدها تقصر عما يؤمّل ويرتجي وجدته عبوسًا قمطريرًا، غافلًا عن كل النعم الإلهية المعنوية والروحية والنفسية التي لربما يتنعم بها ليلَ نهارَ. وفي مثل هذا الإنسان ورد قول النبي (ص): "من هداه الله للإسلام وعلّمه القرآن ثم شكا الفاقة، كتب الله الفاقة بين عينيه إلى يوم القيامة" (11).

ويتعجب الإمام علي (ع) من مثل هذه الحالة، فيقول موبّخًا ومؤنّبًا: "ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه، ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تُحرمونه؟" (12).

الفائدة الأخيرة:

الشخصية المؤمنة حين تفرح بالنعم المادية الدنيوية فإنما تفرح بها من جهة ارتباطها بالله تعالى، وهذا مستفاد من إضافة الفضل والرحمة، في الآية، إلى الله سبحانه: {قل بفضل الله وبرحمته}.

إنّ النظرة الإيمانية في هذا المجال تختلف جذريًا عن النظرة غير المؤمنة التي ترى في طيبات الدنيا فرصًا للاستمتاع غير المحدود وغير القائم على أسس عقدية وخلقية واضحة. المؤمن حين يرى أية نعمة يتذكر المنعم بها عليه؛ لأنه يعرف أنها جميعًا جاءته منه سبحانه. وحين يفرح بالنعمة فإنه، في الواقع، يفرح بالمنعم، أي يفرح لكون هذه النعمة وسيلة يمكنه أن يتقرب بها إليه، ونتيجة هذا كله أنه لا يستعمل النعم الإلهية إلا في طريق طاعته (جلّ وعلا)، ولا يقبل أن يتخذها وسيلة للوقوع في المعاصي والمنكرات. وهو بهذا يعمل، وإن لم يدرك الحال، على زيادة النعم وبقائها، فعن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: "استتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعته والمجانبة لمعصيته" (13).

_________________

 (*)المصدر كتاب "الإنسان والحياة.. نظرات قرآنية" للشيخ الدكتور إحسان بن صادق اللواتي.

(1) سورة يونس، الآية 58.

(2) منهم صاحب الميزان في تفسير القرآن 10: 82.

(3) سورة يونس، الآية 57.

(4) الميزان 10: 83.

(5) نور الثقلين 3: 220.

(6) الأمثل 6: 263.

(7) الكشاف، الزمخشري 2: 353.

(8) ميزان الحكمة 8: 534.

(9) سورة القصص، الآية 76.

(10) سورة غافر، الآية 75.

(11) تفسير نور 5: 229.

(12) ميزان الحكمة 7: 426.

(13) نفسه 10: 119.

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.